N7EB NA3REF : الحملة الفرنسیة على فلسطین ھزیمة الفرنسیین في عكا وانعكاسات ھذه الحملة
24/06/2024 - Edam Grioui
المخطط العام
الهوامش
قائمة المصادر والمراجع
استأنف نابليون حملته في فلسطين بعد ترتيب الأمور الإدارية والعسكرية في المناطق التي سيطر عليها في فلسطين وانطلق نحو المدينة الأهم وهيا عكا حيث يمكث فيها أحمد الجزار الذي يعد أهم عقبة في تحقيق أطماع الجيش الفرنسي.
تعرض الجيش في طريقه نحو مدينة عكا الى عدة هجمات من قبل رجال نابلس الذي استنجد بهم الجزار رغم توتر العلاقة بينهم خاصة مع الشيخ يوسف الجرار الذي لبى نداءه ونداء السلطان العثماني سليم الثالث حيث ارسل هذا الأخير فرمانا "لحسن اغا النمر " بكونه "امير ألاي السباهية" (وحدة الفرسان في الجيش العثماني) يأمره بمشاركة في حرب ضد نابليون كما أن شيوخ نابلس رفضوا عرض الفرنسيين الذي يعطيهم الأمان مقابل طرد المماليك ورجال الجزار من مناطقهم وقد حاول رجال نابلس مساندة مدينة يافا قبل سقوطها لكن ميمنة الجيش منعت هذا الهجوم على رغم من أن هذه الهجمات لا تزيد عن غارات مفاجئة فإنها ساهمت في ارباك الجيش وتشتيت قوته على العموم اتخذ الجيش الفرنسي موقعه امام مدينة عكا في 18 مارس وفي وقت نفسه تمكنت البحرية البريطانية بقيادة "سيدني سميث" من السيطرة على ست ناقلات تحمل أسلحة ومدافع حصار حملها الفرنسيون من دمياط باتجاه عكا ومن جهة مقابلة فقد بلغت القوى المشاركة في دفاع عن المدينة نحو 6 آلاف مقاتل معزز بنحو 25 الى 30 مدفعية إضافة الى كونها تحتل موقعا مميز فهي محاطة بالبحر من الاتجاهين وهذا ما سيساعد البحرية البريطانية في حمايتها بشكل أفضل كما أنها محاطة بسور منيع بني في وقت الظاهر عمر سنة 1750 وقد رممه الجزار في سنة 1779 (1) بدأ الجيش بحصار المدينة عن طريق حفر الخنادق تحت اشراف مهندس التحصينات "كفاريللي " وقد وصفه الجبرتي بقوله " كان من داهتهم وشياطينهم وكان له معرفة بتدبير الحروب ومكايد القتال... وكيفية أخذ القلاع ومحاصرتها. (2) تزامن بداية الحصار مع التحالف الذي حدث بين بريطانيا والدولة العثمانية حيث دخلت السفن البريطانية بهدف ملاحقة الفرنسيين وطردهم من الشرق وقد قدم مع "سميث" ضابط فرنسي يدعى "فليبو" الذي كان زميلا لنابليون لكنه غادر نحو بريطانية بعد قيام الثورة الفرنسية حيث كان معارضا لها وقد ساهم في تخطيط لخط دفاعية تمثلت في إقامة سور داخلي ليعزز من حماية المدينة وتم بناء السور عن طريق تسخير سكان المدينة وتشريك عناصر من البحرية البريطانية كما تم تعزيز المدينة . بمدافع الفرنسية التي وقع الاستيلاء عليها (3).
أمر نابليون بضرب المدينة في 28 مارس وسارت العملية في إطار هجمات عديدة لكن المدافعون نجحوا في اعتراضها وقيام برد عليها. علم نابليون بقدوم قوة من الشام فأرسل كل من الجنرال "مورا" و "جينو" لقطع هذا الهجوم وقد نجحت القوات الفرنسية في هذه مهمة كما سيطر جينو على الصفد واتجه نحو الجنوب فسيطر على طبرية أما الجنرال كليبر فقد التقى بجيش العثماني الذي قدم بقيادة عبد الله باشا والي الشام وقد اقترب الجيش العثماني من انتصار على الفرنسيين لولا تدخل بونابرت الذي قصف العثمانيين بالمدافع مما أجبرهم على الهروب. اغتنم القائد الفرنسي هذا النصر فبالغ في الحديث عنه لاستنهاض عزيمة الجيش التي بدأت تتدهور مع صمود عكا. وقد علق لوكروا على ذلك بقوله:" إن الجيوش الفرنسية بدون شمل الجيوش ولكنهم لا يبددونها فلا تلبث أن تتألف ثانية في الغد " (4) وهذا ما يدل كونها لا تخرج إلا عن مناوشات فقط و ليست معارك حقيقية. رغم ما حققه الجيش الفرنسي من انتصارات جزئية وسيطرت على بعض المناطق لكنها في مقابل ساهمت في استنزاف طاقته وتناقص أعداده وهو أحد أهم أسباب خسارة الجيش لاحقا حيث على حد قول إحسان النمر اتجه نحو عكا خائر العزيمة فاقدا للأمل " (5) عاد الجيش اذن ليستأنف حصار في عكا واستمرت العمليات العسكرية المتبادلة واشترك الجيش البريطاني في قصف المواقع الفرنسية من الجانب البحري للمدينة وقد شهدت أيام 7 حتى 12 اخر هجمات الجيش الفرنسي بهدف احتلال المدينة وقد استغلوا إحداث ثغرة في سور المدينة انطلقت قوة بقيادة " لان" و "رامبو" ولكنهم وقعوا في الفخ الذي خطط لهم أي السور الداخلي الذي تم بنائه لمزيد تدعيم تحصينات المدينة وبهذا انسحب الجيش الفرنسي وأدرك نابليون وجوب التقهقر بعد أن تكبد هزيمة فادحة. أرسل نابليون بعدها رسالة الى باريس يوم 10 مارس يقول فيه إن احتلال عكا لا يستوجب كل هذه الخسائر وأنه قرر العودة الى مصر . (6) نظرا لفشل الحملة في تحقيق أهدافها أمعن الجيش الفرنسي في الانتقام أثناء انسحابهم إلى مصر الذي بدأ في 20 ماي والحقوا تدميرا وحرقا في المدن والقرى التي مروا بها وقد تعرض الجيش طوال الطريق إلى ملاحقات من النابلسيين والبدو الذين يعرفون المنطقة جيدا فهاجموا مؤخرة الجيش كما واصل الجيش البريطاني هجومه عن الطريق البحر إضافة إلى ذلك واجه نابليون مشكلة كبيرة في نقل الجنود المرضى فنقل بعضهم بست سفن صغيرة إلى مصر أما البقية فقد واصلو سير مع بقية الجيش وذكر معظم المؤرخين أن نابليون أمر الأطباء بإعطاء جرعة من الأفيون لمجموعة من الجنود الذين أصيبوا بالطاعون وذلك لتعجيل في وفاتهم منعا من وقوعهم تحت الأسر من طرف العثمانيين. رغم انكار نابليون ذلك وعدم تأكيد الروايات فإن القضية ظلت مثارا للجدل. (7) ترك الجيش الفرنسي يافا يوم 28 ماي مجددا ليفرض غرامة على أهلها قدرت بمليون وسبعة مائة ليرة حصل على ست مائة فقط وأخذ مجموعة من رهائن حتى يدفع بقية المبلغ ما أن وصل الجيش إلى غزة حتى دمروا بقية من سورها ومجموعة من الجوامع والمدارس كما تركوا مجموعة من المرضى في عهدة أعيان البلاد. حاول نابليون أن يظهر في ثوب المنتصر فخطب في الجيش مشيدا بما حققته هذه الحملة من انتصارات معلنا أنه حقق غايته من الحملة دخل مصر يوم 14 جوان 1799 وقد علق جبرتي على ذلك بقوله " تغيرت ألوان العسكر القادمين و قاسوا مشقة عظيمة من الحر والتعب. وأقاموا على حصار عكا أربعة وستين يوما حربا مستقيما يوما وليلا. "(8) قبل إنهاء حديثنا عن حملة العسكرية على فلسطين يجدر التوقف عند بعض المؤرخين عن النداء الذي قام به نابليون لليهود وتواجدين في آسيا وأفريقيا أثناء حصاره لعكا من أجل الانضمام إلى جيشه مقابل وعده لهم باسترجاع القدس القديم وممتلكاتها المجيدة. بهذا وإن صحت هذه الرواية يكون نابليون أول من أعطى لليهود وعد بوطن قومي لهم بفلسطين قبل أكثر من 118 من وعد بلفور" ولكن فشل مشروع نابليون نظرا الى فشله في احتلال عكا أولا وعدم استجابة يهود بلاد شام والخارج لهذا النداء. (9) قدم المؤرخون اجتهادات عدة حول أسباب هزيمة نابليون والحقيقة أن عوامل عدة أسهمت في هزيمة الجيش منها الموقع الفريد الذي أكسبها أفضلية دفاعية والمساعدة التي قدمها الإنجليز خاصة خطة فيليبو إضافة إلى تفشي الطاعون صلب الجيش وما قام به سکان نابلس من مناوشات وتشتيت لمجهود الفرنسيين التركت هذه الحملة العديد من النتائج على طرفي النزاع ففي الجانب الفرنسي فشلت الحملة فشلا ذريعا ولم يستطع بونابرت تحقيق طموحه على أرض الواقع وقد علق عن هذا لا حقا بقوله " لو أن عكا فتحت أمامي أبوابها لأجزم أنني كنت قد بدلت وجه العالم " ( 10) شكلت هذه الهزيمة أيضا بداية النهاية لحملته على الشرق.
ساهمت هذه الهزيمة أيضا في تشجيع الدولة العثمانية على استرداد مصر حيث كلف الصدر الأعظم " الجزار" بإعداد للحملة بقية هذا الجيش معسكرا في العريش حتى سنة 1801 حتى اتفق مع الفرنسيين على الانسحاب من مصر على المستوى السياسة العالمية فتحت هذه الحملة أعين بريطانيا على أهمية مصر وشام وخاصة فلسطين وضرورة منع أي قوة أوربية من الاستيلاء على يهم أما بالنسبة للخسائر البشرية فقد قدرت الوفيات في الجيش الفرنسي ب 4400 أما الجرحى فوصل عددهم إلى نحو 2105 وبذلك يصل مجموع الإصابات بين القتلى والجرحى إلى أكثر من نصف الحملة اما بالنسبة الى خسائر البشرية على المستوى المحلي فلم توجد إحصائيات دقيقة حول هذا الموضوع لكنها من المؤكد أنها تفوق بكثير ويكفي أن نذكر ما حصل في مدينة يافا وحدها إضافة إلى المدن التي دمرت جراء هذه الحملة ساهم كل ذلك في سوء الأوضاع الاقتصادية نتيجة توقف التجارة مع مصر وفرنسا وانتشار الغلاء. (11)
نختم هذا المقال بالقول كون أن الحملة الفرنسية على مصر في تحديث مصر وإضعاف القوى المحلية وفتحها للتأثير الأوروبي فإن الحملة على الشام لم تترك هذا الأثر في فلسطين حيث لم تكن سوى مسرحا العمليات العسكرية كما لم تساهم في إحداث تغيير في موازين القوى العسكرية والسياسية واقتصرت على تعزيز مكانة الجزار الذي أكمل فترة حكمه حتى وفاته سنة 1804
1الھوامش
1 صافي (خالد محمد عطیة) "حملة الفرنسیة على سوریا (بلاد الشام 1799)" مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث ودراسات العدد 8 2002 ص 19
2 الجبرتي (عبد الرحمان) عجائب الاثار وتراجم الاخبار عبد الرحیم عبد الرحمان القاھرة مطبعة دار الكتب المصریة 1997 جزء 2 ص 274
3 صافي مرجع سابق ص 21
4 لوكراو (ادوارد) الجزار قاھر نابلیون, دار الثقافة, بیروت ص 242
5 احسان (النمر), تاریخ جبل نابلس والبلقان ج1 ,نابلس, مطبعة جمعیة عمال المطابع التعاونیة 1975 ص 224
6 صافي نفس المرجع ص 2
7 نفس المرجع -ص 25
8 الجبرتي نفس المصدر ص 290
9 صافي نفس المرجع ص 26
10 اوبري (اكتاف), نابلیون, متري شماس, المنشورات العربیة, لبنا ن ص 57
11صافي نفس المرجع ص 28
2 المصادر والمراجع
1 الجبرتي (عبد الرحمان), عجائب الاثار وتراجم الاخبار, عبد الرحیم عبد الرحمان, القاھرة ,مطبعة دار الكتب المصرية 1997
2 الترك (نیكولا), ذكر تملك جمھوریة الفرنساویة الأقطار المصریة والبلاد الشامیة او الحملة الفرنسیة على مصر والشام, یاسین السوید, بیروت, دار الفرابي 1990
3 اوبري (اكتاف), نابلیون, متري شماس, المنشورات العربیة,لبنان1969
4 النمر(إحسان )، تاریخ جبل نابلس والبلقان ج1 ,نابلس، مطبعة جمعية عمال المطابع التعاونية 1975
5 صافي (خالد محمد عطیة) "حملة الفرنسیة على سوریا (بلاد الشام1799)" مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث ودراسات العدد 8 2002